جَامع الحَنابلة
في سنة إحدى
وخمسين وخمسمئة هجرية، ست وخمسين ومئة وألف ميلادية، هاجر أثناء حروب الفرنجة من
قرية جماعيل القريبة من القدس بفلسطين الشيخُ أحمدُ بنُ قدامة، ويمّمَ وجهه شطر
مدينة دمشق أيّام السلطان نور الدين بن زنكي، واتخذ سفح قاسيون له مسكناً، ونسب
الحي الذي كان السبب في إنشائه إليه، وأَطلق عليه النّاسُ الصّالحيّة لصلاح ساكنيه
وتقواهم، ثمّ أنشأ ابنهُ محمّد أبو عمر، مدرسةً شيخةً أشبه ما تكون بالجامعة،
أُطلِقَ عليها العُمَريّة.
ولـمَّا كانت
سنة ثمان وتسعين وخمسمئة للهجرة، شرع أبو عمر في بناء المسجد الجامع بالجبل كما
يروي ابن كثير في تاريخه، ويقول: "أنفق عليه القاضي أبو داود الفامي إلى أن
بلغ البناء مقدار قامة فنفذ المال، فأرسل للملك المظفّر كُوكُبري صاحب إرْبل الذي
أسعفه بمال جزيل".
لذا أُطلق على
الجامع اسم "المظفّريّ"، وجامع الجبل، وهو أوّل جامع بني في قاسيون،
وجامعُ الحنابلة نسبة لبني قدامة الحنابلة، وجامع الصّالحين.
للجامع واجهة
حجرية غربيّة فيها الباب الغربي وشبّاكان يطلاّن على القبلة، والصّحن مربّع مفروش
بالحجارة يشبه صحن الجامع الأموي بتقسيماته وأجزائه، ففي شرقيّه وغربيّه إيوانان
عظيمان يقوم كلّ منهما على خمس قناطر تحتها قواعد وأعمدة قديمة، وفي الجهة
الشمالية إيوان يقوم على خمس قناطر من ورائها ثلاث أخرى، وإلى جانبها المئذنة
المربّعة الجميلة، وأسقف الأروقة من خشب، وفي وسط الصحن بركة ماء مربّعة، وللجامع
باب شرقي يقابله الغربي، وقد كتب عليه ما نصّهُ: "بسم الله الرحمن الرّحيم،
إنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، هذا ما أمر بعمله تقرباً إلى
الله وطلب ثوابه العبد الفقير إلى رحمة الله، والمعروفُ بذنوبه، الرّاجي عفوه
وتوبته كوكبري بن علي بن بكتكين صاحب إربل، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما
تأخّر بمحمّدٍ وآله بتولّي الفقير إلى رحمة الله محاسن بن سليمان القلانسي سنة تسع
وتسعين وخمسمئة".
وللحرم باب
عظيم، وإلى يمينه بابان صغيران وثالث أصغر، وكذلك إلى ياسره، وكانت فوق الأبواب
زخارف جصّية جميلة على الطّراز السلجوقي لم يبق منها إلاّ ما على الباب الأيمن
الثاني. والحرم قائم على ثلاث جمالونات خشبية، تحتها خمس قناطر، ومن أمامها خمس
أخرى، ولها شبّاكان عظيمان إلى زقاق الحنابلة، وآخران إلى طريق المسكي، وأربعة
جنوبية تطلّ على بعض الدور، وللجامع محراب بديع، ولكن شوِّه بالدهان، والمنبر
الخشبي من آيات الجمال وبدائع الفن الإسلامي، شبيه بمنبر الأقصى الذي احترق سنة
تسع وستين وتسعمئة وألف على يد حاقد يهودي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق