الثلاثاء، 26 يوليو 2016

أكنان النور - جامع الشيخ محي الدين " السليمي "

جامع الشيخ محيي الدين "السليمي"
924 هــ -1518 م



في يوم الأحد الخامس والعشرين من رجب سنة اثنتين وعشرين وتسعمئة هجرية، والتي توافق الرابع والعشرين من شهر آب أغسطس سنة ست عشرة وخمسمئة وألف ميلادية، داست سنابك خيل السلطان العثماني سليم الأوّل الملقّب بياووز (القاطع) جثمان السلطان المملوكي قانصوه الغوري الذي بلغ الثمانين من عمره بعد الهزيمة التي لحقت به في معركة مرج دابق قرب حلب، ودخل العثمانيون بلاد الشام، ووصل السلطان إلى دمشق وصلّى بالجامع الأموي، ومنحه أهلها لقب خادم الحرمين الشريفين.. وسأل السلطان عن قبر الشيخ محي الدين ابن عربي الطائي الأندلسي الذي طاف البلاد واستقرّ في دمشق فصنّف ودرّس، وكان له به اعتقاد، وقد توفّي ابن عربي سنة ثمان وثلاثين وستمئة للهجرة، ودفن في تربة ابن الزكيّ بقاسيون. يقول العدويّ في ذيل كتاب النعيمي: "ولأجله - يعني ابن عربي - بنى السلطان هذا البناء العجيب بعد أن كان مزبلة وحماماً، وصرف الأموال عليه ما شاء الله أن يُصْرَف، ووقف عليه قرية التلّ ومنين وحرستا وعذرا وقيساريَّةَ الحرير بدمشق، وطاحونَ باب الفرج وغيرَ ذلك.
صمم طراز الجامع المهندس شهاب الدين بن العطّار، وساعده في استملاك الأرض والإشراف على البناء القاضي ولي الدين بن فرفور ولم يستغرق بناؤه إلاّ أربعة أشهر، وغدا من أعظم جوامع دمشق، ونقش عليه تأريخه بحساب الجمل:
سليمٌ بنَى للهِ خيراً ومسجداً    قد تمّ في تأريخه: خيرُ جامعٍ
للجامع باب من حجارة ضخمة تهبط إليه بدرج حجري، ويقابلك صحن عظيم جميل مبلّط بالرّخام الملوّن والحجر الأبيض والأصفر، فيه بركة ماء لطيفة، وفي غربية رواق عظيم يقوم على أربع قناطر عالية، وإلى الجنوب المصلّى الذي يقوم على خمس قناطر وأربعة أعمدة، وله محراب عادي وسقف خشبي مسنّم، وحيطان مزخرفة بالقاشاني والرخام الملوّن المنقوش. وفي الزاوية الجنوبية الشرقية درج ينزل منه إلى قبّة الضريح الذي يتوسّط الغرفة المزخرفة بالقاشاني البديع والنقوش المدهشة، وحول القبر شبكة من الفضّة المزخرفة، وإلى جانبه قبر ولديه سعد الدين وعماد الدين، وقبر الأمير المجاهد عبد القادر الحسيني الجزائري الذي نقلت رفاته إلى الجزائر بعد استقلالها.
أمّا مئذنة الجامع فهي كما قال ابن طولون: "مركّبة على باب جامعها، وليس في الصالحية مئذنة مركبة على بابٍ غيرها - وأما في ضواحي دمشق فعدّة - حجارتها بيض وصفر وسود بطبقتين، وقبّتها على أعمدة من صخر".
حملت المئذنة الطابع المملوكي، ولـمّا أطيح برأسها في زلزال سنة تسع وخمسين وسبعمئة وألف ميلادية، تبدّل الرأس وحمل الطابع العثماني.
للجامع تكية تقابله، وتشتمل على تقديم الطعام للفقراء، وفي يوم الخميس تقدّم الشوربة لهم وهي من القمح واللحم تسمّى في دمشق وريفها بالهريسة. وتقام في الجامع الحضرات وتنذر النذور ويتبرّك بالجلوس فيه، حتى أصبح الجامع شبيهاً إلى حدٍّ كبير بمسجد سيّدنا الحسين بالقاهرة.
أَدين بدين الحبّ أنَّى توجَّهَتْ         ركائبُهُ فالحبُّ ديني وإيمَاني




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق