الاثنين، 1 أغسطس 2016

أكنان النور - جَامع الحَيْوطيَّة - أحمد المفتي

جَامع الحَيْوطيَّة
885 هـــ - 1480 م



يُنسَبُ الجامعُ لبانيه الأمير "مكّي بن حَيُّوط" أحد أمراء دمشق في العهد المملوكي، وقد أمرَ ببنائه في مِنْطقةٍ كانت تدعى بستان الصَّاحب ثمَّ عُرفَتْ باسم الأمير/(الحَيُّوطيّة)/، وهي من أنزه مناطق دمشق التي تعرفُ بقبر عاتكة.. حيث كان في ذاتِ المكان قصرُ أمِّ البنين عاتكةً بنتِ يزيدِ بن معاويةَ بنِ أبي سُفيان، زوج عبدِ الملكِ بنِ مروان، وكانت تخرُجُ بدونِ خمارٍ أمامَ اثني عَشرَ خليفةً كلُّهم لها مُحرَم. فأبوها يزيدُ بن معاوية، وأخوها معاوية الصغير، وجدُّها معاوية، وزوجها عبد الملك - وقد توفيّ في قصرها - وأبو زوجها مَروانُ بنُ الحكم، وابنُها يزيد بن عبد الملك، وبنو زوجها الوليدُ وسليمانُ وهشامْ، وحفيدُها الوليدُ بنُ يزيد، وابنُ ابنِ زوجِها يزينُ بنُ الوليد، وإبراهيمُ بن الوليد. وقصرُ عاتكةَ بناه عبد الملك، فسكنته ثمّ دُفنت فيه، وزال القصر في العصر العبّاسي وبقيَ القبر وعُرفت المنطقة باسم قبر عاتكة.
بنى الأمير ابن حيّوط الجامع في سنة خمس وثمانين وثمانمئة هجرية، والتي توافق ثمانين وأربعمئة وألف ميلادية، أيام كان الإسبان ينذرون بسقوط إشبيلية الأندلسية بأيديهم، وحصار السلطان العثماني محمّد الفاتح لجزيرة رودس.
أقيمت صلاة الجمعة في الثاني عشر من جمادى الأولى في الجامع الذي اقتطعه الأمير من بيته ووقف عليه عدّة جهات، وللجامع جبهة غربية من الحجر المزخرف على طريقة الأبلق، وهي رائعة الهندسية والتكوين والنسب، وفيها الباب الذي يؤدي إلى المقبلية، وهي عبارة عن قاعة فخمة تقوم على عدّة أقواس وقناطر، وفي الوسط قنطرة عظيمة، وغربيها ثلاثة أقواس وشرقيها ثلاثة أخر، ومن بينهما المحراب الحجري الجميل الحسن الذي شوّه بالدهان، وبجانبه عمودان رائعان صلبان، والمنبر عادي، وتحت القنطرة العظيمة بركة ماء لطيفة ينزل إليها بدرجتين. ولقد حافظ المسجد على شكله القديم، ويعتبر من المساجد المملوكية الجميلة بدمشق.
أمّا المنارة، فقد تمّ بناؤها سنة أربع وتسعين وثمانمئة هجرية، أي بعد بناء الجامع بتسع سنوات، وقد توفّي الأمير ابن حيّوط أثناء بنائها، فأتمّها عبد القادر بن الحلاّق الأجرود، وهي من المآذن الجميلة ذات جذع مثمّن قليل الارتفاع نسبياً، يقطعه في منتصفه مدماك حجري أسود اللون تعلوه كوّة سهمية مقوسنة فوقها شريط زخرفي منحوت على شكل محاريب، وتتدلّى المقرنصات الغنية من أسفل الشرفة المثمّنة التي يزيّنها درابزين خشبي مفرّغ، وتغطي هذه الشرفة مظلّة مثمّنة أيضاً، وفوقها جوسق ثماني الأضلاع الطبقة ينتهي في أعلاه بإفريز بارز منحوت على شكل المحاريب، ويحمل ذروة هرمية مستديرة المقطع مقطوعة الرأس، يعتقد بأنّها كانت صنوبرية الشكل، لكن العوامل الطبيعية أدّت إلى انهيارها ولم ترمم حتى يومنها هذا...

وفي أحجارها قصص يحاكي           صواعقَ أبْلَقِ الزّمن الغشوم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق