السبت، 13 أغسطس 2016

التصوير الشمسي (11) …. - أحمد المفتي



وصوّرنا يا زمن…

المصوّرون العثمانيون….


إضافة لنشاطات المصوّرين الفوتوغرافيين المحترفين الذين افتتحوا استديوهات في بيروت ودمشق والقدس والقاهرة،

فقد عمدت السلطات العثمانية إلى تصوير الأزياء الوطنية في السلطنة العثمانية استعداداً لمعرض عثماني ضخم.

. أقيم لاحقاً في فيينا سنة 1873، وتمّ تكليف المصوّر السرياني الأصل باسكال سبّاح Pascal Sabah (1823 – 1886)، وكان باسكال قد افتتح استديو سنة 1857 سمّاه (الشرق) في سوق توم-توم في استانبول ثم نقله 1860 إلى 439 شارع بيرا الكبير، وكلّف مصوّراً فرنسياً اسمه لاروش لإدارته حتى سنة 1873 عندما أرسله إلى القاهرة لافتتاح استديو قرب فندق (شبرد)..

بعد وفاة سبّاح 1886 تولّى شقيقة كوزمي إدارة الاستديو لمدّة سنتين، ثم حلّ ابن باسكال جان (1872 – 1947) وشارك مصوّراً فرنسياً كان يعمل في استانبول واسمه بوليكارب جوالييه.. وتحوّل اسم الاستديو سنة 1888 إلى سبّاح وجوالييه.. وكان جان يوقّع باسم جان باسكال سبّاح كي يستفيد من شهرة أبيه.. وظلّ المصوّران ناشطين حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما عاد جوالييه إلى باريس وباع جان الاستديو في سنة 1908م.

التقط باسكال صوراً في سورية، من بينها الأزياء الدمشقية التي ظهرت في كتاب "الأزياء الشعبية في تركيا" Les Costumes Populares de la Turquie الذي أعدّه الفنان التركي حمدي بك 1873 بالتعاون مع الفرنسية ماري دو لوناي، والذي صدر بمناسبة معرض فيّنا. ولاشكّ أنّ معظم الصور التقطت في استديو سبّاح، وقد زار باسكال سورية وبعض صوره تشمل دمشق وبيروت وحلب، وهي محفوظة ضمن مجموعة الصور الخاصة بالسلطان عبد الحميد الثاني (قصر يلدز)..


خلال فترة الشراكة بين سبّاح الابن وجوالييه، وهما المصوّران الرسميان للسلطان، تمّ تكليفهما من قبل السلطان عبد الحميد بالتقاط الصور كجزء من حملة إعلامية للسلطان هدفها إبراز عملية التحديث الواسعة في أنحاء السلطنة أيام حكمه… والتقطا في دمشق صوراً من بينها صورة لطلاب المدرسة السلطانية العسكرية العليا وغير ذلك من المواقع..

وفي العام 1893 أهدى السلطان عبد الحميد مجموعة من 51 ألبوماً تتضمن مئات الصور الفوتوغرافية التي تغطي مختلف أنحاء السلطنة العثمانية إلى الملكة فيكتوريا التي أودعتها المتحف البريطاني. ورئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية، وتحتفظ بها الآن مكتبة الكونغرس في واشنطن. وخلال العقود الأخيرة من السيطرة العثمانية التركية، تجوّل العديد من المصوّرين العثمانيين في أنحاء سورية بما فيها دمشق، وتركوا لنا صوراً معظمها غير موقّع.. ولابدّ من دراسة هذه الصور وتوثيقها وإجراء دراسة حول هذه الفترة المهمّة التي لم تدرس بعد.


الخميس، 11 أغسطس 2016

الصوير الشمسي ( 10 ) .... - أحمد المفتي




وصوّرنا يا زمن…

أوّل المصوّرين السوريين….

استعانت مؤسسة بونفيس بالإضافة إلى المصوّر رمبو بخدمات المصوّر جورج صابونجي (1840 – 1910)  
وهو شقيق لويس صابونجي أوّل مصوّر فوتوغرافي سوري.. وكان قسم من عائلة صابونجي قد هاجر من ديار بكر واستقر في بيروت وحلب ويافا والقاهرة والهند مطلع الخمسينات من القرن التاسع عشر ..
وكان لويس صابونجي (1833 – 1931) ممن هاجر إلى بيروت سنة 1850 والتحق بدير الشرفة في بزمّار للدراسة حتى سنة 1854، عندما أوفده بطريرك السريان الكاثوليك إلى روما لدراسة اللاهوت.. وفي روما تعلّم التصوير الفوتوغرافي، وفي سنة 1872 قام بجولة حول العالم والتقط صوراً للمدن التي زارها، واستخدم الصور لتزيين خريطة ضخمة كانت تغطي جدار غرفته.. وكان لويس مخترعاً، حيث أجرى تطويراً لجهاز طبع الصور وسجّل اختراعه 1875 بمكتب التسجيل بلندن تحت الرقم 1863. وبيعت حقوق 

الاختراع لشركة ستريوسكوبيك. واخترع أيضاً آلة فوتوغرافية اتوماتيكية آلية وهي أصل كمرة البولارويد المعروفة بطبع الصورة مع التقاطها.. وتم تقديمها للجمعية الفرنسية للفوتوغرافيا. كما أسس لويس صابونجي شركة حملت الأحرف الأولى من اسمه (ل.ص. وشركاه) L.S.&Co. كانت تبيع مناظر المدن والمناطق الريفية في بريطانيا.
حين عاد لويس من روما إلى بيروت سنة 1863 علّم أخاه جورج فن التصوير الفوتوغرافي، ويذكر الكونت فيليب دو طرازي في كتابه (تاريخ الصحافة العربية) أن لويس هو من أدخل فن التصوير الفوتوغرافي إلى بيروت، وقبله لم يكن معروفاً، وعلّمه لأخيه الذي أصبح معروفاً. أي أنّه أول من افتتح استوديو.

نشر لويس صابونجي مقالاً في مجلّته (النّحلة) التي أصدرها في لندن يقول فيها: إنّه تلقّى عدداً من الصحف من القاهرة وبيروت تشيد بأعمال أخيه التصويرية، وأضاف: "إنّ هذا الشاب النبيه درس مبادئ هذا الفن منذ بضع سنين، حين كنّا مقيمين في حاضرة بيروت، ثم مهر فيه ونبغ وفاق أقرانه من مصوري سورية شرقيين وأوروبيين، وقد اطّلعنا على بعض تصاوير أرسلها إلينا إلى لندن، فرأيناها تصاوير جميلة، غاية في الجمال، استوفت شروط الإتقان، وعرضناها على أشهر مصوري لندن فاستحسنوها وأثنوا على مصوّرها النبيه. ولـمّا شرفت دولة والي سورية الجديد صاحب الأبّهة مدحة باشا العظم، أيّده الله،

سمع بصيت هذا الشاب الماهر في فن التصوير، واستحسن أن يأخذ له صورة. فتشرّف المصور الموما إليه بأخذ رسم دولته، وجاء الرسم مستوفياً شروط الإتقان والكمال فسرّت دولة الوالي الفخم بالتصوير غاية السرور وأثنت على نباهته. ثم قدّم المصور المذكور لدولته مناديل من كتّان، وقد رسم عليها صورة دولة الوالي الأفخم، فازدادت دولته سروراً بذلك وأصدرت أمراً إلى المصور بأن يصنع ستة وثلاثين منديلاً، ففعل وقدّمها لدولته، ولـمّا رآها أكثر إتقاناً من الأول أنعم على المصوّر بأن يكون مصوّر دولته الخاص. وأذن له بوضع عبارة: (جرجس صابونجي مصوّر دولتو مدحت باشا والي سورية الأفخم) على الصور التي يأخذها"


كان جورج صابونجي من أبرز أعضاء (جمعيّة الصناعة) التي تأسست في بيروت سنة 1882 بهدف تشجيع الصناعة الوطنية وتوعية المواطنين على أهمّية التصنيع، كما أسس مصنعاً للصابون.. ومن هنا كان لقب العائلة صابونجي.. كما هو حال بائع الشوربة (شوربجي) وبائع التنباك (تنبكجي) والتتن (توتونجي) وصانع الزنبرك (زنبركجي) والقيمق (قايمقجي) …. الخ.

ذكرت جريدة (لسان الحال) إنّ جورج هو صاحب معمل الصابون السلطاني الممتاز على البرج.. وكانت مجلّة المقتطف المصرية تنشر مقالات لجورج صابونجي يحكي فيها عن فن التصوير الفوتوغرافي وبعض الصناعات… ويذكر المستشرق الألماني أدوارد زاخاو في كتابه رحلة في سورية وما بين النهرين أنّه في خريف 1879 التقى جورج صابونجي في دمشق، وكان يحزم حقائبه ليلتقط صوراً لتدمر وشمال سورية. واتفق زاخاو مع المصوّر على أن يلتقط له بعض الصور لقاء تعويض مالي. وكان الباحث الألماني مسروراً بصور الصابونجي التي التقطها له. وسمح لصابونجي باستخدام لقب (مصوّر جامعة برلين الملكيّة).
في العام 1895 نشرت Oriental Adventure مشروعاً فوتوغرافياً قدّمه جورج صابونجي إلى ولاية بيروت التي رفعته بدورها إلى وزارة الداخلية في استانبول. واقترح في مشروعه الحصول على ترخيص لإنشاء شركة فوتوغرافية الغاية منها تقديم التسهيلات لعشاق التصوير. وتحقيق التطور في صناعة التصوير وتقديم ألبومات وفكرة اليانصيب الذي سيستفيد منه بعض الناس ودفع 3000 فرنك تقدّم للفقراء حصيلة تصوير مجموعة من الناس.. أي دفع ضريبة. ورفعت الفكرة لوزارة الأشغال..
كان صابونجي شريكاً للمصور غرابيد كريكوريان المقيم في القدس، وكان يبيع صوره في الاستديو الخاص به الكائن في سوق القمح قرب البنك العثماني في بيروت، وقد نشط في التقاط صور شخصية وبطاقات الزيارة لأبرز الشخصيات السورية. ويمكن العثور على ألبومات مصوّرة من تلك الفترة ملتقطة في سورية وفلسطين ولبنان ومصر وتركيا وموقّعة من قبل صابونجي.



في العام 1884 في تمّوز نشرت مجلّة النحلة إعلاناً فيه "تصوير مناظر البلاد الشرقية: قد اتقنّا بعونه تعالى صناعة تصوير الشمس (الفوتوغراف) إتقاناً تاماً شهد لنا به أبرع المصورين بأوروبا، وقد استحضرنا على عدد وافر من تصاوير مناظر البلدان والمدن مثل مصر وأهرامها ومدنها وهياكلها القديمة، وتصوير بحر النيل وشلالاته والصعيد، وتصاوير خليج السويس، ويافا، وعكا، والقدس الشريف، والناصرة، وبحيرة لوط، وطبريا، وجبل الكرمل، وصيدا، وبيروت، وأرز لبنان، ونهر الكلب، وبعلبك، ودمشق الشام، باب الكعبة، والأستانة وما يجاورها.. إلى غير ذلك من التصاوير الجميلة وعندنا منها من كلّ صنف وقياس بأسعار متهاودة جداً، فمن أراد ابتياع شيء منها فليخابر محلنا في بيروت ويعنون رسائله باسم جرجس صابونجي المصوّر بساحة القمح في بيروت (سورية) ومن أراد منها شيئاً في أوروبا فليخابر وكيلنا الخواجة إبراهيم صابونجي في إدارة النحلة في (لندن)"….

الاثنين، 8 أغسطس 2016

التصوير الشمسي (9) ….- أحمد المفتي



وصوّرنا يا زمن…



المصوّرون المحترفون المقيمون:

وصل التنافس بين فرنسا وبريطانيا في أربعينيات القرن التاسع عشر إلى درجة الانفجار، فقد أدّت حملة محمد علي باشا على سورية 1831 بقيادة ابنه إبراهيم باشا إلى زيادة النفوذ الفرنسي، مما دفع بريطانيا إلى زيادة دعمها للعثمانيين بهدف طرد المصريين من سورية، فقد كانوا يخافون من أن تسيطر فرنسا على طريق التجارة إلى الهند، وترافق ذلك نشاطالمصوّرين الفوتوغرافيين الذين كانوا العين التي تنقل إلى الغرب كلّ ما يجري ويدور.


في هذا الجو المشبع بالسيطرة على طريق الهند جاء المصوّر الفرنسي الهاوي جان بابتيست شارلييه Jean Baptiste Charlier (1822 – 1907) إلى لبنان في أواسط الأربعينات لتأسيس مصنع لغزل الحرير في عين حمادة في قضاء المتن بالمشاركة مع أقرباء له. وقد افتتح سنة 1867 مكتبة أسماها ( المكتبة الفرنساوية) في سوق الطويلة في بيروت، والتقط صوراً لدمشق بالإضافة لمناطق في لبنان وفلسطين، وكان اهتمامه تصوير الحياة الاجتماعية من مهنيين وحرفيين، وصوّر المناطق التي تهمُّ الحجّاج والسيّاح، وصوّر الجامع الأموي بدمشق وسور المدينة ونهر بردى وغير ذلك.
في سنة 1875، باع شارلييه مجموعته من النيكاتيف لجاره المصوّر الفرنسي ادوارد أوبان Edouard Aubin الذي كان ناشطاً في بيروت في مطلع السبعينات

 من خلال الاستديو الذي أسماه (الكفّ الأحمر) في سوق الطويلة. ومع أنّه لا يُعرَف إلاّ القليل من أعماله، فإنّ شعاره الذي طبعه على صوره يشير إلى أنّه مختص بالمناظر والأزياء الشرقية. وتمتلك المكتبة الوطنية في باريس ألبوم صور له يضمُّ ثلاثين صورة لنساء عاريات التقطها أوبان في بيروت، وقام بتسويقها في أوروبا واعتمدها الرسّامون الأوروبّيون الاستشراقيّون في لوحاتهم، وراجت في المجتمع الأوروبي رواج النار في الهشيم…
افتتح المصرو الإيطالي من أصل فرنسي، تانكراد دوماس Tancrad Dumas (1830 – 1905)

 في مطلع الستينات استديو للتصوير في بيروت قرب شارع بيل فيو Belle Vue على شاطئ البحر. وكان قد شارك في استديو باستانبول. ويذكر دوماس في كاتالوغ من صفحتين طبع في ميلانو سنة 1872 أنّه تجوّل في مصر وفلسطين وسورية والعراق وتدمر والأناضول واليونان واسطنبول والهند، وكان يحمل لقب (المصوّر الفوتوغرافي الرسمي للبلاط الامبراطوري البروسي). وتضمّن الإعلان عرضاً لبيع 260 صورة من بينها 25 صورة لدمشق، تتضمّن صور الجامع الأموي والصالحية ونهر بردى وباب شرقي والسور وضريح صلاح الدين،
 ومناظر أخرى عامّة لمدينة دمشق. وخلال الفترة ما بين شهري آب وتشرين الأول سنة 1875 عمل دوماس مصوّراً رسميّاً لبعثة الجمعية الأمريكية لاستكشاف فلسطين، والتي ترأسّها الكولونيل سيلاه ميريل Selah Merrill بهدف استكشاف مناطق شرق الأردن، ونشرت مجلّة النحلة إعلاناً على شكل رسالة مؤرّخة في الأول من نيسان 1878 يعرض فيها دوماس بيع أربعة ألبومات تتضمّن صوراً التقطها في مصر وسورية وتدمر والأناضول واليونان واستانبول.
بونفيس…. وفريقه من المصوّرين…


في سنة 1867 جاء إلى لبنان المصوّر الفرنسي فليكس بونفيس Felix Bonfils (1831 – 1885) وأنشأ استديو للتصوير في بيروت بالقرب من القنصلية الفرنسية. ومن بيروت انطلق مع فريق من المصوّرين عملوا معه برحلات تصويرية إلى أنحاء مختلفة من سورية ومصر وتركيا واليونان. حيث التقطت آلاف الصّور.


وكان من أبرز المصوّرين الذين عملوا معه: هنري رومبو، وقيصر حكيم، وجورج صابونجي. في العام 1876 قرر بونفيس تسويق المناظر التي التقطها مع فريقه (مؤسسة بونفيس) انطلاقاً من مدينة آليه Ales في مقاطعة غارد Gard الفرنسية، حيث أصدر مجموعات مؤلّفة من مجلّدات عدة في طبعات وأحجام مختلفة بعنوان (ذكريات من الشرق). وتولّت زوجته ليدي كابانيس بونفيس 1837 – 1918 إدارة الاستديو فترة غيابه، وواصلت إنتاج صور عديدة تظهر الأزياء السورية.

كان إدريان بن فليكس بونفيس Adrien Bonfils (1861 – 1929) يقوم بخدمته العسكرية في الجزائر عندما توفّي والده فليكس 17885، وسرّح من الجيش لأنّه المعيل لعائلته، فعاد إلى بيروت لإدارة مؤسسة بونفيس، وسرعان ما أثبت أنّه مصوّر فوتوغرافي موهوب، لكنّه تخلّى عن المؤسسة عام 1897 وأسس فندقاً في برقانا المتن – لبنان. وأدرات والدته المؤسسة بمساعدة المصوّر إبراهام غيراغوسيان (1872 – 1955) ثمّ باعته الاستديو عام 1907.
أنتجت مؤسسة بونفيس آلاف الصور خلال 35 سنة من نشاطها في بيروت، وعرض فليكس بونفيس سنة 1876، في الكاتالوغ الأول الذي أنتجه 46 صورة لشوارع دمشق ومساجدها وكنائسها ومواقعها الرئيسية، بالإضافة إلى مشاهد عامّة وبانورامية للمدينة.
وأصدر ابنه أدريان في بيروت سنة 1901 دليلاً يحتوي على أكثر من 1600 صورة، منها 69 صورة لدمشق، منها صور بانورامية مكوّنة من ثلاث لقطات، وكذلك لقطات للأزياء الدمشقية وللحرفيين ولاحتفالات محمل الحج الشامي.


كتب أدريان عمّا طرأ على الجمال للطبيعة في سورية والتغييرات التي حلّت باسم التطوّر... "في عصر البخار والكهرباء الذي نعيشه.. كلّ شيء حولنا يبدو متغيّراً، حتى الطريق الخالد إلى دمشق الذي شهد اهتداء بولس الرسول لم يعد أكثر من خط سكّة حديد بدائي، وقبل أن ينفذ التطوّر عمله التدميري بشكل كامل، وقبل أن يختفي الحاضر الذي هو نفسه الماضي، يمكننا القول أننا نحاول تجميل الحاضر وتثبيته في سلسلة من المناظر المصوّة التي نقدّمها"..
والتقط أدريان صوراً للمراحل الأخيرة من تركيب القضبان الحديدية لخط سكّة الحديد بين بيروت ودمشق. وجمعت الصور في ملفٍّ فاخر وُزّع على الضيوف المرموقين أثناء التدشين في بيروت 3 آب 1895 بحضور قائد الجيش السلطاني الخامس والأعيان.
كان من بين مساعدي بونفيس، المصوّر الفرنسي هنري رومبو المدرّس في مدرسة الآباء اليسوعيين لمادة الرياضيات. وكان بونفيس قد عرض عليه افتتاح استديو في دمشق.. إلا أنّ خلافاً نشأ بينهما أدّى إلى إقامة دعوى قضائية ربحها رومبو وافتتح في دمشق 1877 استديو في حي النصارى بدمشق. ويعتبر رومبو من أوائل المصورين الذين التقطوا صوراً لتدمر بعد لويس فين 1864. وأوّل من التقط صوراً لتدمر كان هوارس فيدلي.
إنّ إنتاج مؤسسة بونفيس لهذا الكمّ الكبير من الصّور، لا يمكن أن يعزى لبونفيس فقط، وإنّما يجب الإشارة إلى فريقه وعلى رأسهم دوماس، ورامبو، وصابونجي، وحكيم. ومن بين المصوّرين المحترفين الذين انتقلوا لبيروت

 إبراهام صرافيان (1875 – 1926) وقد بدأ نشاطه في ديكرانجرد مسقط رأسه بجنوب تركيا، وأسس مع شقيقيه بوغوص وصموئيل استديو صرافيان اخوان.

والتقط الأخوة صرافيان العديد من الصور في الشرق، وسوّقوها على شكل بطاقات بريدية، وكانت دمشق لها الحظّ الأوفر في إنتاجهم.

وانتقل إلى بيروت أيضاً المصوّر الألماني جول ليند من إزمير بتركيا. ويزخر إنتاجه بتصوير العائلات الدمشقية والبيروتية.. وكبار الشخصيّات.

الأحد، 7 أغسطس 2016

المولوية = 1 = أحمد المفتي








المولوية (1)



الطريقة المولوية في الذكر لم تتشكل في حياة مولانا جلال الدين الرومي.. بالرغم من أنّه أخذ الطريقة الكبرويّة عن والده. والكبرويّة نسبة لــ (نجم الدين كبرى ت 1221م). وأخذ الطريقة القلندرية عن شمس الدين التبريزي، وهذه الطرق نشأت في خراسان وخوارزم وأذربيجان وتركستان وكازاخستان. وقد قام مولانا بتفسير الطريقتين الكبروية والقلندرية متأثراً بمحيي الدين بن عربي.. ثم صاغ لنفسه مفهوماً صوفياً خاصاً به.. إلاّ أنّ ذلك لم يُسْفِر عن تنظيم هيكلي معيّن لأسلوب حياة روحية تتبنى ذلك الفهم..




والذي نعلمه أنّ الطريقة المولوية جرى تشكيلها بعد وفاة مولانا جلال الدين الرّومي، أي بعد عام 1273 م وعلى أيّام جلبي حسام الدين (ت 1283) ثمّ سلطان ولد (ت 1312)، ثمّ أولو عارف جلبي (ت 1320) وتقرر أثناء ذلك شكل طقوسها وزيّها، وتدلّ البحوث التي أجريت حتى اليوم حول تاريخ المولوية، على أنّ هذه الطريقة انتشرت في زمن أولو عارف جلبي وبجهوده الشخصيّة، وفي ظلّ العلاقات الوطيدة التي أقامها مع الحكام الايلخانيين وحكّام الإمارات التركمانية في شتّى أنحاء الأناضول.
بعد ذلك أقامت المولوية التكايا في الحواضر الثقافية الكبرى دون غيرها في القرن الرابع عشر الميلادي، وجذبت أنظار السلطات المحلّية والتجمّعات الحضرية وأوساط الطبقات المثقّفة، واستمرّت حتى انتشرت على طول منطقة الأناضول وعرضها.
استمرت المولوية مع سلطان وَلَد على نهج سنّي ثم مع ابنه أولو عارف جلبي حيث اتخذت اتجاهاً زهديّاً قلندريّاً، وحظيت بدعم السلطات الرسمّية إلى أن تشكّلت الطريقة المولوية التقليدية المعروفة. بينما اكتسب الفرع الثاني صفة الزّهدية تحت اسم الطريقة الشمسيّة نسبة لشمس الدين التبريزي وانتقل على هذا النحو للقرون التالية.
لقد نجحت الطريقة المولوية الأصليّة ذات الصّبغة السنّية في الحفاظ على هذا المنحى بفضل التكيّة الأم في مدينة قونية، وبهذه الصورة آثرت عدم الدخول في الحركات التي تناوئ النظام السياسي والاجتماعي القائم والوقوف دائماً إلى جانب السلطة الحاكمة. وهذه السياسة التي جرت عليها المولوية، مكّنتها من الحصول على الأوقاف الغنيّة في أراضي الأناضول، وحظيت بتركيب اقتصاديّ متين.
لقد اكتمل نضج الطريقة المولوية من حيث الأساس في بداية القرن السابع عشر، وبدأت تظهر منذ ذلك شخصيّاتها ورموزها البارزة، كما تمتّعت بالقوّة لدى المسؤولين وأصبحت على رأس الجماعات الصوفية الأكثر تقديراً في الدولة العثمانية. ولعلّ ابتعادها عن الحركات الاجتماعية والدينية الهدّام جعلتها تتمتّع بهذه الخاصيّة، وكان أصحاب الطرق يلجؤون إليها إذا ما تعرّضوا لملاحقة الدولة.
لقد لعب الشيوخ الدراويش دوراً كبيراً في استيطان الأتراك للأناضول، وكانت مدن قونية وقيسري وسيواس وأماسيا موطناً لهم، وقد نهلوا منذ البداية من خوجة أحمد يسوي، وشهاب الدين السهروردي، ونجم الدين كبرى، ومحي الدين بن عربي، وبظهور المولوية وتكاياها لم يعد للحركات الأخرى أي وجود.

لم يكن مولانا جلال الدين الرومي من دعا إلى هذه الحركات في الدوران وبسط الأيدي وشكل اللباس، وإنّما أخذها سلطان ولد عن تقاليد شامانيّة قديمة، ارتكزت على السّماع وكان خوجة أحمد يسوي قد مهّدَ لها. (وأحمد يسوي هو صاحب ديوان الحكمة، شاعر صوفي ت 1177م في تركستان من كازاخستان). وتعتمد التعاليم على السّماع في التكايا المولوية، وهي منتديات روحية تستقبل المرء بحالته غير الناضجة إلى الوصول به للإنسان الكامل…


التصوير الشمسي 8 - أحمد المفتي

التصوير الشمسي (8) ….

وصوّرنا يا زمن…
أمير ويلز في دمشق مع المصوّر فرنسيس بدفورد:


مطلع العام 1862 قام أمير ويلز الذي أصبح الملك أدوارد السابع برحلة إلى مصر وسورية وتركيا واليونان وبعض جزر البحر المتوسط، وبرفقته بعض الشخصيات البريطانية، وكلّفت الملكة فكتوريا الفنان فرانسيس بدفورد Francis Bedford (1816 – 1894)

 بمرافقة وليّ العهد ليكون المصوّر الرسمي لهذه الرحلة. وكان قد سبق أن كلفته الملكة في العام 1854 بتصوير بعض التحف من المجموعة الملكية.. وكان بدفورد مصوّراً محترفاً، بدأ في ممارسة التصوير في العام 1853 عندما عرض في المعرض الأوّل لجمعية لندن للتصوير الفوتوغرافي صوراً عن رسوم وضعها ديفيد روبرتس وأصبح عضواً في الجمعية البريطانية للتصوير الفوتوغرافي في سنة 1857، وسمح لبدفورد خلال الرحلة بتصوير بعض المواقع الإسلامية الدينية التي كانت محظورة على الأجانب ولا يسمح لهم بدخولها، وخاصة المسجد الأقصى، إلا أن أمير ويلز حصل على تصريح لبدفورد من السلطان عبد العزيز ليصوّر داخل المسجد الأقصى ومساجد القدس والخليل…


وصل أمير ويلز وحاشيته إلى دمشق عند الساعة السادسة من صباح يوم 16 نيسان 1862، قادماً من فلسطين عن طريق جنوب لبنان..


ونصب الموكب خيامه في بستان الشيخ سعيد العطّار. وذكرت صحيفة (حديقة الأخبار) البيروتية في تقرير لمراسلها في دمشق، أنّ الحكومة بادرت بإرسال العسكر والموسيقا لاستقباله، وقام بدفورد بالتقاط عدد من الصور في دمشق، نشرت عشر منها في كتاب "صور فوتوغرافية التقطها فرانسيس بدفورد خلال الرحلة في الشرق"، وتضمّن الكتاب 88 صورة للزيارة الملكية،

 وكانت الصور كلّها مرقّمة ومؤرّخة وموقّعة، وأما صور دمشق فهي التي التقطت بين 29 نيسان و 2 أيار…


وكانت حصيلة الرحلة سجلّاً بصرياً فريداً من نوعه يتألف من 210 سالب كولوديون رطب عرض فيها 172 صورة فقط للبيع.


 وبعد عودته إلى انكلترا، عرض بدفورد صوره على نطاق واسع حيث لقي استجابة حماسية من النقّاد، وفازت صوره بالميدالية الفضّية في معرض باريس العالمي سنة 1876.

وكتب وليم م. طومسون الضليع بالتاريخ والطوبوغرافيا السورية.. إن أمير ويلز كثيراً ماكان يوقف القافلة ليمنح السيّد بدفورد الفرصة لالتقاط صورة من أي نقطة يريدها…
استعمار خفي… ونوايا مبطّنة باسم العلم…
في خريف 1863 وصل هنري بيكر تريسترام مع مجموعة من أصدقائه وبينهم المصوّر الفوتوغرافي هــ. ت. بومان H. T. Bowman إلى بيروت بهدف إجراء مسح للتاريخ الطبيعي لسورية، وقد حملوا معهم كما يذكر تريسترام "فرماناً من القسطنطينية ينص على تسهيل أمورنا وإبداء الاحترام لنا بوصفنا بعثة علمية"، وكل أمتعتنا مؤلّفة من 26 صندوقاً تضم معدّات علمية عدا صندوق كبير من البارود، وهو المادة المحظورة بشدّة من بين كلّ المواد المستوردة، مرّت دون سؤال، وكذلك حقيبتان كبيرتان من المعدّات الفوتوغرافية اللتان أثارتا شكوك الأتراك، وفي النهاية اعتبراها معدّات لطبيب الرحلة. وأمضت المجموعة عشرة أشهر تتجول في فلسطين ولبنان ودمشق. ويصف تريسترام في كتاب "أرض إسرائيل" "The Land of Israel" وصوله في السابع من حزيران إلى دمشق حيث أمضى أربعة أيام زار خلالها البيوت الدمشقية الفخمة والجامع الأموي وغير ذلك من المواقع التاريخية، وقد التقط صور الرحلة (بومان) واستخدم بعضها بأسلوب الطباعة الحجرية الملوّنة لتزيين الكتاب، وقام تريسترام لاحقاً برحلتين أخريين سنة 1881 – 1897…
سورية أهمية استراتيجية:
تدفّقت البعثات الآثارية والاستكشافية البريطانية إلى سورية بعد زيارة أمير ويلز وبدا الاهتمام بسورية وذلك لأهميتها الاستراتيجية والدينية، وتعمّقت معرفة بريطانيا بسورية بعد رحلات وزيارات وجهود الخبراء العسكريين الذين استخدموا التصوير الفوتوغرافي بصورة واسعة، وأوفدت بعثات لإجراء أبحاث جغرافية تفصيلية وتنقيبات أثرية ودراسة النباتات وأحوال الطقس والحياة الاجتماعية، وتمّ أول إنجاز مسح لمدينة القدس على يد فريق من سلاح الهندسية البريطاني يقوده النقيب تشارلز ويلسون.. وكان الرقيب جاك ماكدونالد المصور الرسمي للبعثة، وظهرت هذه الأبحاث في كتاب المسح الحربي للقدس يضم 87 صورة فوتوغرافية من تصويره. وقبيل انتهاء مشروع المسح، تم الإعلان عن تأسيس (صندوق استكشاف فلسطين) في 12 أيار 1865 في لندن. وكان الهدف الظاهري للصندوق إجراء الدراسات الجغرافية والآثارية في الأرض المقدّسة. لكن تكشّف لاحقاً أن القادة البريطانيين السياسيين والعسكريين كانوا في الواقع يكيدون للمنطقة ويرسمون المخططات المستقبلية لها. ففي 23 تشرين الثاني 1865 أُرسِل النقيب ويلسون على رأس فريق للتنقيب في بعلبك ودمشق ومناطق أخرى، ووصل الفريق في مطلع كانون الأول إلى بيروت ثم دمشق وكان العريف في سلاح الهندسة الملكية هنري فيليبس أحد أهم وأبرز المصوّرين الفوتوغرافيين العاملين مع الفريق، وكان أن انضمّ إلى الجيش 1853 وعمره 21 سنة والتقط صوراً لدمشق والجليل والخليل والقدس من خلال عمله في البعثة.


وأجرى النقيب ويلسون والملازم أندرسون تنقيبات في تل الصالحية، ووضعا تخطيطات مفصّلة للجامع الأموي وانتهت تنقيبات تل الصالحية في 17 أيار 1866، وفي وقت لاحق استأنف توماس روجرز (ادوارد توماس روجرز) القنصل البريطاني في دمشق بين (1861 – 1868) التنقيبات هذه، وقدّم وصفاً للأعمال المنجزة في سلسلة تقارير نشرتها ( النشرة الفصلية لصندوق استكشاف فلسطين) في السنوات 1866 – 1867. وفي دليل الصور المأخوذة لصالح الصندوق في 1865 – 1866 – 1867 من قبل العريف فيليبس، عرض 348 صورة، من بينها 13 صورة التقطت في دمشق.
إن الضباط البريطانيين الذين تعاونوا مع الصندوق وكانوا ناشطين في المناطق الجنوبية من سورية حيث عملوا على إعداد الخرائط والتقاط آلاف الصور الفوتوغرافية.
وفي شتاء عام 1868 بدأ بقيادة ويلسون مشروع مسح صحراء سيناء الذي أنجز خلال خمسة أشهر، وقد صورت ثلاثة مجلّدات ضخمة تضمّنت نصوصاً وصوراً عن جغرافية سيناء وقبائلها والحياة النباتية والطبيعية فيها.