الجمعة، 11 نوفمبر 2016

التصوير الشمسي - 17 - أحمد المفتي - AHMAD ALMUFTI


وصوّرنا يا زمن…

القيصر غليوم الثاني والتصوير


خلال زيارة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني إلى سورية سنة 1898 توافد المصورون ليغطّوا هذه الزيارة، فبالإضافة إلى المصورين الألمان الذين رافقوا الإمبراطور


، كلّف السلطان عبد الحميد الثاني بعض المصورين العسكريين ومصوري البلاط أمثال عبد الله إخوان، وسباح، وجوالييه بتغطية الرحلة بالكامل. 

كما سعى المصورون المحليون للاستفادة من الزيارة أيضاً. وقد تم توثيق زيارة القيصر بالصور الفوتوغرافية من قبل: غرابيد كريكوريان 1847 – 1920 وهو أرمني كان يقيم في القدس. والتقط كريكوريان صوراً للإمبراطور في دمشق ظهرت منها ثلاث عشرة صورة في ألبوم خاص أصدره في تلك المناسبة.


وكان كريكوريان قد تلقى دروساً في التصوير الفوتوغرافي في مطلع الستينات على يد البطريرك الأرمني ياي غرابيديان 1825 – 1885 

الذي كان يعطي دروساً في التصوير في الكنيسة الأرمنية بالقدس، وفي العام 1882 تخلّى غرابيد كريكوريان عن ثوبه الكهنوتي وافتتح استديو للتصوير في شارع يافا في القدس، وفي العام 1885 أصبح شريكاً لكل من جورج صابونجي في بيروت وداوود صابونجي الذي كان يمتلك استديو في طلعة العجمي في يافا. وفي العام 1913 صار كريكوريان شريكاً لخليل رعد، وكان هذا من أبرز 
المصورين العاملين في القدس.

وتضمنت نشاطات خليل رعد 1874 – 1956 التصويرية منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى العام 1948 أعمالاً التقطت في فلسطين ولبنان والأردن ودمشق.

 وكان يمتلك استديو في شارع يافا في القدس، وتحتفظ مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت بأرشيفه الفوتوغرافي. 

وكذلك التقط المصور التركي علي سامي "اكوزير" 1866 – 1936 صوراً لزيارة القيصر بما فيها صور دمشق، وكان علي سامي تخرّج ضابطاً في سلاح المدفعية سنة 1886. ثم تلقى دروساً في الفن والتصوير الفوتوغرافي في المعهد السلطاني بإستنبول.
القدس والمستوطنة الأمريكية
سجلت زيارة القيصر بداية النشاط التصويري لما عرف لاحقاً باسم دائرة التصوير في (المستوطنة الأمريكية) American Colony في القدس، 

وقد تأسست هذه المستوطنة عندما وصلت مجموعة من المستوطنين الأمريكيين القادمين من شيكاغو إلى فلسطين بقيادة المحامي هورانتيو سبافورد Horantio Spafford للاستيطان والعمل في الزراعة وتأصيل الحيوانات على حد زعمهم. وانضمت لهذه المجموعة المريبة الأصولية الغربية في العام 1896 أعداد من السويديين بتشجيع جماعة سويدية كانت مقيمة في شيكاغو. وكان منهم غاتسجيفار أريك ماتسون 1888 – 1977 ولارس لارسن Lars Larson اللذان أصبحا من أشهر المصورين في المستوطنة.

وتروي بيرتا سبافورد فيستر Bertha Spafford Vester ابنة مؤسس المستوطنة في مذكراتها بعنوان "قدسنا" Our Jerusalem – النوايا الاستعمارية ظاهرة من العنوان – قصة نشوء دائرة التصوير في تشرين الأول 1898 قائلة: "اشترت المستوطَنة الأمريكية كاميرا قديمة عندما وصل الإمبراطور الألماني إلى فلسطين. وبهذه الطريقة تأسست دائرة التصوير التي اشتهرت فيما بعد بمجموعتها الكبيرة من الصور الفوتوغرافية والسلايدات المجسّمة".
كانت بداية النشاطات الفوتوغرافية في المستوطَنة سنة 1898 على يد فريدريك فيستر Frederick Vester وإيليا مايرز Eligah Meyezr المصورين الفوتوغرافيين الناشطين، 

وانضمّ إليهما في وقت لاحق مصوران آخران هما: فورمان بالدوين Furman Baldwin ولارس لارسن. وفي العام 1924 تزوّج ماتسون من اديت يانيتس Edith Yanitss التي جاءت عائلتها إلى فلسطين من إحدى مزارع كنسان الأمريكية في العام 1896، ونشط الزوجان في إنتاج صور فوتوغرافية ملوّنة باليد، وصور مكبّرة ملوّنة، وسلايدات زجاجية، وبطاقات بريدية. كما كانت دائرة التصوير في المستوطنة تنتج ألبومات صور بعضها مزيّن بنباتات وأزهار مجففة من الأرض المقدّسة وتبيعها إلى السيّاح والحجاج. وفي سنة 1934، استلم ماتسون ويانيتس إدارة دائرة التصوير وغيّرا اسمها إلى "خدمات ماتسون الفوتوغرافية" Matson Photo Services 

وقد تجولا معاً في سورية ومصر والعراق وشرق إفريقية، وعاد الاثنان إلى أمريكا سنة 1946 تاركين خلفهما ألوف الأفلام والصور. وبعد الاحتلال الصهيوني للقدس 1967 انتقلت المجموعة وعددها 20 ألف نيغاتيف إلى مكتبة الكونغرس في واشنطن. وتعتبر الصور وثائق فوتوغرافية تسجل التغييرات الدراماتيكية التي شهدتها سورية ومنطقة الشرق الأدنى قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها.

يتضمن دليل الصور التي أصدرته مكتبة الكونغرس بأربعة مجلدات مشاهد منتقاة من المجموعة،

 من بينها 33 صورة لدمشق بين أواخر العقد التاسع من القرن التاسع عشر وسنة 1930، كذلك التقطت الإمبراطورة أوغوسطا فيكتوريا Augusta Victoria عدة صور فوتوغرافية خلال هذه الزيارة. وهناك ألبوم خاص من صورها محفوظ ضمن مجموعة خاصة في باريس.

الجمعة، 4 نوفمبر 2016

التصوير الشمسي - 16- أحمد المفتي

.

وصوّرنا يا زمن…

الناشرون والمصوّرون

قام الكاتب والناشر والمصوّر الفرنسي جول جيرفيهكورتلمونJules Gervais Courtellemont والذي عاش فيما بين سنة 1863 – 1931، مع والد زوجته شارل لامان والذي سبق له أن زار سورية سنة 1844 على نشر مجموعة من الكتب مزيّنة بالصور بعنوان "طبعات جيرفيه–كورتلمونت" Editions Gervais-Courtellemont وكان جيرفيه–كورتلمونت قد استقر في الجزائر مع أمه وأبيه بالتبني 1874، واعتنق الإسلام لاحقاً، وكان في مقدمة الناشرين للكتب المصوّرة في فرنسا والجزائر ورائداً في التصوير الفوتوغرافي الملوّن Autochrome، وقام برحلات في الجزائر وجال في إسبانية ومصر والجزيرة العربية وتركيا، وسوريا، وتيبت والهند الصينية. وفي حزيران 1893 سافر مع لامان إلى سورية، وكانت حصيلة تلك الرحلة إصدار كتاب بعنوان: "من الجزائر إلى القسطنطينية، القدس، دمشق" D'AlgeraConstantinople, Jerusalem, Damas. وضمّ الكتاب مجموعة كبيرة من المناظر، من بينها 39 صورة عن دمشق للشوارع والمقاهي وبردى ومناظر عامة،وللقاشاني والخزف..


وكتب شارل لاماننص الكتاب وقال إنّه ورفيقه كانا من أوائل المسافرين على خط سكةة حديد بيروت-دمشق، وأنّ الكونت دوبرتويLe Conte de Perthuis المشرف على المشروع خصص لهما عربة إضافية، وبذلك استطاع التوقف حيث شاء خلال الطريق، ويصف لامان دمشق بالتفصيل مركزاً على جمال الطبيعة وعلى غوطتها التي يمكن أن تكون بعمق 15 كيلومتراً، وعلى جوامعها وحرفييها، ويصف الحالة الاجتماعية، مؤكداً على أن عدد السكان يتراوح بين 125 و 130 ألفاً.

وفي االعام 1894، حج سراً إلى مكة والمدينة والتقط صوراً للمدينتين. وزار جيرفيه-كورتلمونت سورية مرة ثانية 1908 بدعوة من الحكومة العثمانية لتصوير احتفالات تدشين خط سكة حديد الحجاز، وفي 327 آب غادر دمشق مع لجنة الاحتفالات على متن قطار خاص، وقد نشرت مجلة L'illustration الفرنسية تحقيقاً عن الحدث وبعض الصور التي التقطها جيرفيهكورتلمونت في تلك المناسبة...
ويمتلك المتحف الجغرافي الوطني في واشنطن العاصمة و "مكتبة أفلام مدينة باريس" الآلاف من صوره الفوتوغرافية وكذلك متحف "البرت كان" في بولون–بيانكور (فرنسا) Albert Kahn وشركة سيغما في باريس.

كما نشط المصور الأرمني الأصل هوفانسحلادجيان في حيفا بين 1899 و 1911. وكان قد بدأ عمله في حقل التصوير الفوتوغرافي سنة 1884 في مدينة عينتاب (جنوب شرق الأناضول) في العام 1894 انتقل إلى منطقة أضنة – مرسين ثم استقر في حيفا. والتقط حلادجيان صوراً لدمشق من بينها عمود المرجة الذي نصب بمناسبة مد أسلاك البرق للمدينة، كما اشتهر بالتقاطه صوراً لكافة مراحل إنشاء خط سكة الحديد ومحطاته وجسوره.

وفي العام 1894 التقط المصور النمساوي شارل سكوليكCharles Scolik 1853 – 1928، مجموعة من الصور لدمشق خلال رحلته إلى اليونان وتركية وسورية ومصر. وكان سكوليك قد درس التصوير الفوتوغرافي في فيينا تحت إشراف أ. هورنينغE. Horning، وفي العام 1886 بدأ العمل في استديو (ف. كوهلر وشركاه) F. Kohler & Co.في فيينا. ثم افتتح استديو خاصاً به سنة 1886 وكان بين 1889 و 1893 المحرر والناشر لمجلة مصوّرة تدعى PhotographischeRundschau. وحصل في العام 1892 على وظيفة في القصر الملكي حيث كلّف بتصوير المناسبات وحفلات الاستقبال. وفي العام 1893 انضمّ إليه ابنه في العمل وكان يحمل اسم أبيه شارل.

كان شارل سكوليك الأبن أبرز مصوّر فوتوغرافي في فيينا بين سنة 1880 و 1910. ونشر مجموعة من البطاقات المصوّرة، وكذلك عدة دراسات حول الكيمياء والتصوير الفوتوغرافي الداخلي. كما كان أحد مؤسسي نادي التصوير الفوتوغرافي في فيينا سنة 1887، وتقدّم مع مجموعة من زملائه المصورين بطلب إلى الحكومة النمساوية لجعل التصوير الفوتوغرافي مادة تدرّس في المدارس الحرفية. وركّز سكوليك أثناء التقاطه الصور في دمشق على البيوت الدمشقية، وفندق الشرق، وباب شرقي، والتكية السليمانية، ومقبرة باب الصغير، والصالحية، والمشفى العسكري، ومناظر أخرى عامة...

وأنتج ألبومات مصوّرة ومجلّدة تجليداً أنيقاً بجودة عالية، وكان يستهلّ ألبوماته بمقاطع شعرية كأداة لترويج أعماله.

الاثنين، 24 أكتوبر 2016

التصوير الشمسي (15) - أحمد محمود المفتي



وصوّرنا يا زمن…
المبشّرون بلباس الحجّاج -د-



شهد نهاية القرن التاسع عشر نشاطاً محموماً في توزيع الكتب المصوّرة التي كانت فيه الصورة تلصق باليد، ومعظمها للأرض المقدّسة أو المنسوخة على طريقة الحفر، ومن نماذج تلك الكتب منشورات مجلّة حول العالم Autour da Monde التي صدرت في باريس، وبعض الصور ملوّنة باليد.. وفي أحد أعدادها صورة لحي الميدان بدمشق بعدسة المصوّر الفرنسي بول بلانش Paul Blanche الذي كان موظفاً في شركة سكّة الحديد العثمانية.


كما شهد نهاية القرن التاسع عشر تراجعاً في مبيعات الصور التجارية، وذلك أن السيّاح والحجاج التقطوا الصور بآلاتهم التي أصبحت ميسّرة في أيديهم.. وبذلك نشأ جيل جديد من هواة التصوير.

لقد نشط هواة التصوير من خلال الجمعيات التبشيرية الناشطة في سورية.. ومن أبرز هؤلاء المصورين كان القس جورج روبنسون ليز George Robinson Lees مدير مدرسة تابعة لجمعية لندن لنشر المسيحية بين اليهود في القدس 1888 و 1894. وكان يتقن العربية، والتقط صوراً لدمشق وبيروت في مطلع التسعينات، ونشر عدة كتب مزيّنة بصوره. وتحتفظ الجمعية الجغرافية الملكية بلندن ببعض صوره المأخوذة في دمشق وبيروت وفلسطين.
ومن بين المبشرين الذين عملوا في سورية، والتقطوا صوراً لدمشق، بوين طومسون Bowen Tompson 

الذين أنشأ أول مدرسة بروتستانتية في دمشق. ثم أنشأ مدرسة أخرى سنة 1870 في حي الميدان. ونشر القسيس هنري بايكر تريسترام صورة لأطفال مدرسة القديس بولس بدمشق في كتابه بنات سورية The Daughters of Syria الذي صدر سنة 1872.
وفي سنة 1893 أصدر الرهبان الفرانسيسكان العاملون في سورية ألبومين مصوّرين بعنوان "بعثة الأرض المقدّسة" Missioni Terrae Sanctae بعدسة جول روفيه Jules Rovier، الأول بعنوان "اليهودية والجليل" والثاني "سورية وقبرص ومصر" وتضمّن الأخير أربع صور التقطت لدمشق.

وكذلك التقط فرانكلين مور Franklin Moore 1871 – 1915 ، الأستاذ في الكلية الإنجيلية السورية (الجامعة الأمريكية في بيروت حالياً) صوراً لمراكز المبشرين الأمريكيين في معلولا والزبداني.

 ومن المحتمل أن يكون قد التقط صوراً في دمشق. وتحتفظ الجامعة الأمريكية في بيروت ببعض الزجاجيات التي ثبّت عليها مور صوره – وأحتفظ في مكتبي أيضاً ببعض هذه الزجاجيات – ويذكر هنري جيسب Henry Jessap المحاضر في الكلية الإنجيلية السورية ، في كتابه "ثلاث وخمسون سنة في سورية" Fifty Three Years in Syria أسماء: القس جيمس س. دينيس James S. Denis ، ولوسيوس ميلر Lucius Miller ، و أ. بارودي ، والآنسة أنا هنري جيسوب Anna H. Jessup ، 

وغيرهم من المصورين الفوتوغرافيين في الجمعيات التبشيرية.
ونشر المبشّر الأمريكي وليم م. طومسون William M. Thompson 1806 – 1894 الذي تجوّل في سورية على نطاق واسع، ي كتابه "الأرض والكتاب" The Land and the Book مشاهد مصوّرة لدمشق وغيرها من المواقع السورية ، والتي تم اختيارها خصيصاً للنشر كما يقول من صور فوتوغرافية التقطها بنفسه، وكذلك على أفضل المواد المتوافرة، وقد جرى رسمها ونقشها تحت إشرافه من قبل فنّانين في لندن وباريس ونيويورك. وكان طومسون قد بدأم مهمته التبشيرية في بيروت سنة 1833 وعاش في سورية 43 سنة قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة عام 1877.

وكان من المبشرين المصورين أيضاً: الأسقف جورج م. ماكي George M. Mackie والذي عمل في بيروت سنة 1880 كمبعوث من الكنيسة الاسكتلندية إلى الطلاب اليهود. وقد التقط صوراً لدمشق في السنة نفسها، وصوره محفوظة لدى الجمعية الجغرافية الملكية بلندن.




السبت، 15 أكتوبر 2016

التصوير الشمسي - 14 - أحمد المفتي




وصوّرنا يا زمن…

المبشّرون بلباس الحجّاج -جــــ-



اقتدى الفرنسيون بما فعله باين المصوّر والقساوسة الأمريكان فأصدروا منذ عام 1896 نشرات فوتوغرافية شهرية تضمّ كلّ منها اثنتي عشرة صورة مطبوعة تحت عنوان "الأرض المقدّسة" La Trre Sainte وكانت هذه النشرات بمثابة دليل للحجاج، مركّزة على نشاطات المؤسسات الفرنسية الكاثوليكية في الأرض المقدّسة.
يقول الأب أوجين بوسار Eugene Bossard في مقدمته لهذه النشرات:


"منذ العام 1882 وآلاف الحجاج يتدفقون على الأرض المقدّسة سنوياً، وقدّر عددهم بألفي حاج سنة 1882، 

وكانوا يتجولون في قوافل لم تشهد لها المنطقة مثيلاً منذ الحملات الصليبية". ويشير أيضاً إلى أنّ المنطقة تعيش تحوّلات عظيمة، حيث بدأت الطرقات والسكك الحديدية عملها، ويضيف أنّه لهذا السبب أخذ على عاتقه نشر الصور الفوتوغرافية للأراضي التي زارها نابليون. 

وهي الأماكن التي أصبحت هذه الصور الشاهد الوحيد لها. ويختتم الأب أوجين كلامه بالقول "إنّ التصوير الفوتوغرافي نجح في تثبيت مشاهد الآثار والأزياء والعادات"، قائلاً أنّه يشعر بالسعادة الغامرة لأنه يقدّم إلى جمهور القرّاء كتاباً سيضفي على قلوبهم مزيداً من الإيمان والوطنية. وينهي كلامه بقوله: "إنّ الأرض المقدّسة في الواقع ليست أرضاً غريبةً بالنسبة إلى أيّ مسيحي، وينهي كلامه بقوله: "إنّ الأرض المقدّسة في الواقع ليست أرضاً غريبةً بالنسبة إلى أيّ مسيحي، إنّها أرض الآباء والأجداد... إنّها وطننا"...

يتضمّن الكتاب 238 صورة. التقطت معظمها مؤسسة بونفيس والأخوين قسطنطين وجورج زنجاكي Costantin & George Zangaki، من بينها إحدى عشرة صورة لدمشق، ورافق الصور شروح توضيحية تعطي الانطباع بأنّ المنطقة واقعة تماماً تحت النفوذ الفرنسي الكاثوليكي.
وفي العام 1882 زار رجل دين فرنسي آخر هو الأب أنطوان رابواسون Antoine Raboisson مصر وسورية والتقط مجموعة من الصور نشرت في كتاب من مجلّدين بعنوان "في المشرق" En Orient والصور من لقطاته ومن لقطات مؤسسة بونفيس أيضاً. المعلومات عن رابواسون ضئيلة، لكنّه من المعروف أنّه كان عضواً في الجمعية الفرنسية للتصوير ما بين 1884 – 1894. يروي رابواسون حادثة جرت معه أثناء التقاطه صور الجامع الأموي، فيقول: لقد طلب منّي الشيخ المشرف على الجامع مبلغاً كبيراً لقاء التقاط بعض الصور، 

ولـمّا كان الاتفاق بيني وبين شركة توماس كوك السياحية لا تشير إلى دفع المال لقاء التصوير فكنت أرفض دفع أيّ مبلغ... واحتال رابواسون على الشيخ، فأرسل قوّاص القنصلية الفرنسية ليفاوضه على المبلغ، ونصب كمرته والتقط الصورة، وبعد مرور 12 دقيقة كانت الصورة قد التقطت وعاد القوّاص فغطى الكمرة بقطعة قماش وخرج دون علمهم بذلك، وكان المبلغ الذي طلبه الشيخ المشرف /500/ فرنك فرنسي، وهو مبلغ كبير في ذلك الزمن...

كما نشطت في تلك الآونة أيضاً بعض البعثات اليسوعية التبشيرية في حقل التصوير الفوتوغرافي، والتقط بعض أفرادها صوراً لدمشق من خلال بحثهم الآثاري، فظهرت صور لميشيل جوليان Michel Julien في كتاب سورية المسيحية، وكذلك نشط هنري لامانس Henri Lammens 1862 – 1937 وكان غزير الإنتاج والتقط صوراً لدمشق وفلسطين ومواقع مختلفة من الأراضي المقدّسة.

ومن الرهبان اليسوعيين الذين نشطوا في تصوير دمشق كان أنطوان بوادوبار Antoine Poidebard 1878 – 1955 الرائد في التصوير الفوتوغرافي الجوّي، ورينيه موتيردRene Mouterde 1880 – 1961  الذي امتلك أضخم مجموعة فوتوغرافية ضمّت الموضوعات الآثارية في سورية.




الجمعة، 14 أكتوبر 2016

التصوير الشمسي 13 - أحمد المفتي



وصوّرنا يا زمن…  

المبشّرون بلباس الحجّاج -ب-



اتفق ثلاثة مبشّرين أمريكان في سنة 1894 على إصدار كتاب مصوّر يحكي حياة السيّد المسيح عليه السلام وحواريه (الرّسل). وهم:


1-      المطران جون هــ. فينسنت John H. Vincent مؤسس حركة شوتوكوا Chautauqua في جميع أنحاء العالم...


2-      الكاتب الأسقف جيمس و. لي James W. Lee.

3-      المصور الفوتوغرافي الحائز على جوائز عدّة "روبرت باين" Robert E. Bain.


وبدلاً من شراء الصور التي كانت متوفّرة في الأسواق قرروا التقاط صور جديدة خاصة بمشروع الكتاب. ولذلك قدموا إلى سورية ومصر وتركيا واليونان وإيطاليا. وقد حملوا معهم رسائل توصية وتعريف من الرئيس الأمريكي ووزيرا الداخلية ووزير التعليم موّجهة إلى المسؤولين العثمانيين لكي يسمحوا لهم بالتصوير. وخاصة الأضرحة والحرمات المقدّسة التي كانت ممنوعة على الأجانب.

غادرت البعثة برفقة المبشرين الثلاثة مدينة سانت لويس في آذار 1894 حاملة معها تسعة صناديق من الألواح الزجاجية وزن كلّ واحد منها حوالي ثلاثين كيلوا غراماً، 



وخلال جولتهم في سورية كانت قافلتهم تتألف من أربعة أحصنة وثمانية مرافقين بمن فيهم الدليل والطاهي والخادم، وأربع خيام وخمسة بغال.
ويتضمّن كتاب "الخطوات الأرضية للرجل من الجليل" Earthly Footsteps of the Man of Galilee نماذج من الصور التي التقطها باين وسرداً مفصّلاً لهذه الرحلة. وبعد جولتهم في فلسطين، وصلت القافلة إلى الصالحية في 13 أيار حيث التقط باين أوّل صورة لدمشق. وكانوا قد مرّوا في طريقهم من قاسيون والصالحية وعبروا البساتين والجنان والأنهار والجداول التي تتمتع بها دمشق. حيث كان طريق القوافل القادم من الغرب يأتي عن طريق قاسيون والصالحية، ولم يكن طريق الربوة قد وجد بعد.. ثم دخلوا المدينة من بوّابة ذات قوس تقع في السور الغربي وأقاموا في فندق فكتوريا.

يحتوي الكتاب الذي ألّفوه على 38 صورة لدمشق وضواحيها، ومنها صور الكنائس والكتابات اليونانية والرومانية، ونهر بردى، والمقاهي، ومشاهد من الشوارع والمساجد والحدائق، وشارع مدحت باشا، الخ...
وتحتفظ مكتبة الكونغرس في وواشنطن بمجموعة من الصور التي التقطت خلال تلك الرحلة...
وفي يوم الأربعاء 16 أيار 1894 التقط باين بالمصادفة صور تمرّد السجناء في دمشق والذي جاء وصفه له كما يلي:


"كنّا على العشاء مع 15 أو 20 من رجال الأعمال الفرنسيين الموجودين في سورية في ذلك الوقت لمتابعة مصالحهم في خط سكة الحديد بين بيروت ودمشق. فجأة توقفت الأحاديث بعد أن سمعنا صوتاً مرعباً ومزعجاً أمام الفندق، وعلى الفور اندفع الجميع إلى الشرفة الأمامية في الطابق الثاني من فندق فكتوريا. كانت الساحة العامة أمامنا مزدحمة بالناس، ومن الفتحة في وسط سجن المدينة كان السجناء يقذفون الحجارة، في حين كان الجنود في الأعلى يطلقون النار على السجناء في الداخل.
لم يسبق لي أن شاهدت إنساناً يطلق النار على آخر.. وقد بدأ الزعيق الهادر الآتي من 500 سجين في الداخل، وكأنّه تعبير عن اليأس والجوع والتعاسة المطلقة. كان الأمر مرعباً إذ سقط عدد من القتلى والجرحى، وبعد ساعة من الترقّب المخيف، تم إخماد التمرّد...".

استغل بابين هذه المشاهد، فنصب كمرته على الفور وبدأ بالتقاط الصور. وصدف أن شاهده أحد الفرنسيين فأسرع ينبهه بحركات عنيفة وتهديده بأنّه إذا اكتشف أحد الضبّاط الأتراك الكمرة وشاهده يلتقط الصور فلسوف يصبح هو في السجن وتصادر الكمرة. وسرعان ما أنزل الكمرة والحامل وأخفاها بعد أن استطاع أن يلتقط ثلاث صور. وتعتبر لقطات باين لتمرّد السجناء أوّل تحقيق مصوّر جرى في دمشق.

إن الصور التي التقطها باين في دمشق هي مشاهد مبتكرة لم يسبق لأي مصوّر فوتوغرافي أن التقطها من قبل.. فالمناظر السابقة التي التقطها المصورون المحترفون كانت تميل إلى التركيز على المعالم البارزة كالمسجد الأموي والشارع المستقيم، في حين أن باين سجّل نواحٍ مختلفة من الحياة الاجتماعية فالتقط صوراً للمقاهي وللحياة اليومية للدمشقيين.