التصوير الشمسي (8) ….
وصوّرنا يا زمن…
أمير ويلز في دمشق مع المصوّر فرنسيس بدفورد:
مطلع العام 1862 قام أمير ويلز الذي أصبح الملك أدوارد السابع برحلة إلى
مصر وسورية وتركيا واليونان وبعض جزر البحر المتوسط، وبرفقته بعض الشخصيات
البريطانية، وكلّفت الملكة فكتوريا الفنان فرانسيس بدفورد Francis
Bedford (1816 – 1894)
بمرافقة وليّ العهد ليكون المصوّر
الرسمي لهذه الرحلة. وكان قد سبق أن كلفته الملكة في العام 1854 بتصوير بعض التحف
من المجموعة الملكية.. وكان بدفورد مصوّراً محترفاً، بدأ في ممارسة التصوير في
العام 1853 عندما عرض في المعرض الأوّل لجمعية لندن للتصوير الفوتوغرافي صوراً عن
رسوم وضعها ديفيد روبرتس وأصبح عضواً في الجمعية البريطانية للتصوير الفوتوغرافي
في سنة 1857، وسمح لبدفورد خلال الرحلة بتصوير بعض المواقع الإسلامية الدينية التي
كانت محظورة على الأجانب ولا يسمح لهم بدخولها، وخاصة المسجد الأقصى، إلا أن أمير
ويلز حصل على تصريح لبدفورد من السلطان عبد العزيز ليصوّر داخل المسجد الأقصى
ومساجد القدس والخليل…
وصل أمير ويلز وحاشيته إلى دمشق عند الساعة السادسة من صباح يوم 16 نيسان
1862، قادماً من فلسطين عن طريق جنوب لبنان..
ونصب الموكب خيامه في بستان الشيخ
سعيد العطّار. وذكرت صحيفة (حديقة الأخبار) البيروتية في تقرير لمراسلها في دمشق،
أنّ الحكومة بادرت بإرسال العسكر والموسيقا لاستقباله، وقام بدفورد بالتقاط عدد من
الصور في دمشق، نشرت عشر منها في كتاب "صور فوتوغرافية التقطها فرانسيس
بدفورد خلال الرحلة في الشرق"، وتضمّن الكتاب 88 صورة للزيارة الملكية،
وكانت
الصور كلّها مرقّمة ومؤرّخة وموقّعة، وأما صور دمشق فهي التي التقطت بين 29 نيسان
و 2 أيار…
وكانت حصيلة الرحلة سجلّاً بصرياً فريداً من نوعه يتألف من 210 سالب
كولوديون رطب عرض فيها 172 صورة فقط للبيع.
وبعد عودته إلى انكلترا، عرض بدفورد
صوره على نطاق واسع حيث لقي استجابة حماسية من النقّاد، وفازت صوره بالميدالية
الفضّية في معرض باريس العالمي سنة 1876.
وكتب وليم م. طومسون الضليع بالتاريخ والطوبوغرافيا السورية.. إن أمير ويلز
كثيراً ماكان يوقف القافلة ليمنح السيّد بدفورد الفرصة لالتقاط صورة من أي نقطة
يريدها…
استعمار خفي… ونوايا مبطّنة باسم العلم…
في خريف 1863 وصل هنري بيكر تريسترام مع مجموعة من أصدقائه وبينهم المصوّر
الفوتوغرافي هــ. ت. بومان H. T. Bowman إلى بيروت بهدف إجراء مسح للتاريخ
الطبيعي لسورية، وقد حملوا معهم كما يذكر تريسترام "فرماناً من القسطنطينية
ينص على تسهيل أمورنا وإبداء الاحترام لنا بوصفنا بعثة علمية"، وكل أمتعتنا
مؤلّفة من 26 صندوقاً تضم معدّات علمية عدا صندوق كبير من البارود، وهو المادة
المحظورة بشدّة من بين كلّ المواد المستوردة، مرّت دون سؤال، وكذلك حقيبتان
كبيرتان من المعدّات الفوتوغرافية اللتان أثارتا شكوك الأتراك، وفي النهاية
اعتبراها معدّات لطبيب الرحلة. وأمضت المجموعة عشرة أشهر تتجول في فلسطين ولبنان
ودمشق. ويصف تريسترام في كتاب "أرض إسرائيل" "The Land of Israel" وصوله في السابع من حزيران إلى
دمشق حيث أمضى أربعة أيام زار خلالها البيوت الدمشقية الفخمة والجامع الأموي وغير
ذلك من المواقع التاريخية، وقد التقط صور الرحلة (بومان) واستخدم بعضها بأسلوب
الطباعة الحجرية الملوّنة لتزيين الكتاب، وقام تريسترام لاحقاً برحلتين أخريين سنة
1881 – 1897…
سورية أهمية استراتيجية:
تدفّقت البعثات الآثارية والاستكشافية البريطانية إلى سورية بعد زيارة أمير
ويلز وبدا الاهتمام بسورية وذلك لأهميتها الاستراتيجية والدينية، وتعمّقت معرفة
بريطانيا بسورية بعد رحلات وزيارات وجهود الخبراء العسكريين الذين استخدموا
التصوير الفوتوغرافي بصورة واسعة، وأوفدت بعثات لإجراء أبحاث جغرافية تفصيلية
وتنقيبات أثرية ودراسة النباتات وأحوال الطقس والحياة الاجتماعية، وتمّ أول إنجاز
مسح لمدينة القدس على يد فريق من سلاح الهندسية البريطاني يقوده النقيب تشارلز
ويلسون.. وكان الرقيب جاك ماكدونالد المصور الرسمي للبعثة، وظهرت هذه الأبحاث في
كتاب المسح الحربي للقدس يضم 87 صورة فوتوغرافية من تصويره. وقبيل انتهاء مشروع
المسح، تم الإعلان عن تأسيس (صندوق استكشاف فلسطين) في 12 أيار 1865 في لندن. وكان
الهدف الظاهري للصندوق إجراء الدراسات الجغرافية والآثارية في الأرض المقدّسة. لكن
تكشّف لاحقاً أن القادة البريطانيين السياسيين والعسكريين كانوا في الواقع يكيدون
للمنطقة ويرسمون المخططات المستقبلية لها. ففي 23 تشرين الثاني 1865 أُرسِل النقيب
ويلسون على رأس فريق للتنقيب في بعلبك ودمشق ومناطق أخرى، ووصل الفريق في مطلع
كانون الأول إلى بيروت ثم دمشق وكان العريف في سلاح الهندسة الملكية هنري فيليبس
أحد أهم وأبرز المصوّرين الفوتوغرافيين العاملين مع الفريق، وكان أن انضمّ إلى
الجيش 1853 وعمره 21 سنة والتقط صوراً لدمشق والجليل والخليل والقدس من خلال عمله
في البعثة.
وأجرى النقيب ويلسون والملازم أندرسون تنقيبات في تل الصالحية، ووضعا
تخطيطات مفصّلة للجامع الأموي وانتهت تنقيبات تل الصالحية في 17 أيار 1866، وفي
وقت لاحق استأنف توماس روجرز (ادوارد توماس روجرز) القنصل البريطاني في دمشق بين
(1861 – 1868) التنقيبات هذه، وقدّم وصفاً للأعمال المنجزة في سلسلة تقارير نشرتها
( النشرة الفصلية لصندوق استكشاف فلسطين) في السنوات 1866 – 1867. وفي دليل الصور
المأخوذة لصالح الصندوق في 1865 – 1866 – 1867 من قبل العريف فيليبس، عرض 348
صورة، من بينها 13 صورة التقطت في دمشق.
إن الضباط البريطانيين الذين تعاونوا مع الصندوق وكانوا ناشطين في المناطق
الجنوبية من سورية حيث عملوا على إعداد الخرائط والتقاط آلاف الصور الفوتوغرافية.
وفي شتاء عام 1868 بدأ بقيادة ويلسون مشروع مسح صحراء سيناء الذي أنجز خلال
خمسة أشهر، وقد صورت ثلاثة مجلّدات ضخمة تضمّنت نصوصاً وصوراً عن جغرافية سيناء
وقبائلها والحياة النباتية والطبيعية فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق